يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري – رحمه الله ورضى عنه:
“أَصْلُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَغَفْلَةٍ وَشَهْوةٍ؛ الرِّضا عَنِ النَّفْسِ. وَأَصْلُ كُلِّ طاعَةٍ وَيَقَظَةٍ وَعِفَّةٍ؛ عَدَمُ الرِّضا مِنْكَ عَنْها.”
ثم إنه بعد أن ينظر المسلم في نفسه ويحاول أن يستكشف عيوبها، لابد أن يتعلم من أين أتت هذه العيوب حتى يحاول أن يتخلص منها. هنا يقول الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله ورضي عنه: (أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها)، أي يحدثنا عن أصل العيوب.
أصل العيوب، التي هي معاصي أو غفلات أو شهوات وأشياء أخرى متعلقة بذلك، أن يرضي العبد عن نفسه، أي يقول: أنا بخير، وأنا مؤمن، وأنا صالح. ولكن الله عز وجل قد أقسم بالنفس اللوامة تشريفاً لها: {لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة}، والنفس اللوامة هي التي تلوم صاحبها، فهي نفس لا ترضي عن صاحبها وما تبرح تلومه أبداً.
ونجد أيضاً في كتاب الله تعالى: {وما أبرئ نفسي}، والذي قال هذا هو الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، يقول: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي}. هذا النبي ابن النبي ابن النبي يقول: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء}، فما بالك بنا؟
والنفس اللوامة هي نفس ينجيها الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، ولكن النفس التي لا تلوم صاحبها تتصور أنها يوم القيامة سوف تكون بخير: {ولئن رددت إلى ربي لأجدن خير منها منقلبا}، كما قال ذلك الرجل صاحب الجنتين في قصة الكهف، وهو رجل كان راضياً كل الرضا عن نفسه وكان يقول أنه يوم القيامة سوف يجد خيراً من الجنة التى كان يملكها في الدنيا، كل هذا وهو كافر بالله!
ولكن الأصل في دين الله والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضي عن نفسك، هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فكانوا يشكون حتى في إيمانهم. سيدنا حنظلة عرف بعض أسماء المنافقين الكبار الذين كانت أسماؤهم غير معروفة للصحابة، وعرف هو بعضهم من النبي صلى الله عليه وسلم، فكان عمر يمشي وراء حنظلة ويقول: (أنشدتك الله يا حنظلة أأنا منهم؟). عمر رضي الله عنه يتساءل إذا كان من المنافقين العشرة! لماذا؟ لأنه لم يرضى عن نفسه. وأبو بكر الصديق كان يقول: (لو أن إحدى قدميّ في الجنة ما أمنت مكر الله). ولماذا يقول ذلك؟ لأنه لا يظن أنه يستحق الجنة! هذا أبو بكر الذي إذا (وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه)، كما قال صلى الله عليه وسلم.
والرضا عن النفس هو أصل كل معصية، إذا رضيت عن نفسك وظننت أن لك مكاناً خاصاً عند الله سبحانه وتعالى وقعت في المعاصي والتقصير والإهمال والبطالة. أما إذا كنت خائفاً من الله سبحانه وتعالى ولا تظن أن لك مكانة فستتجنب المعاصي.
ويتحدث الشيخ هنا عن (الشهوة) وهو يقصد الشهوات الحرام: الكبر والعجب والبخل والطمع والإدمان والإسراف، إلى آخره. كل شهوة من الشهوات الحرام أصلها الرضا عن النفس. أما إن لم ترض عن نفسك، فستقصر نفسك عن هذه الشهوات، وهذه هي سنة الأنبياء والمرسلين والصالحين.
ولكن ينبغي للمسلم الذي يلوم نفسه ألا يقع في (جلد الذات)، كما نقول في لغتنا المعاصرة. و(جلد الذات) يعني أن نلوم أنفسنا دائماً وبشدة حتى نصل إلى اليأس، يقول المرء: (أنا سيئ، أنا شرير، أنا حقير، أنا ليس فيّ أمل …)، ثم ييأس، ثم يترك كل شيء، وهذا أيضا سلوك معيب وفهم منحرف.
والتوسط فضيلة بين رذيلتين، كما يقال؛ رذيلة أن يلوم المسلم نفسه دائماً حتى ييأس، ورذيلة ألا يلوم نفسه أبداً حتى يغتر. وبهذا التوسط نتحسن إن شاء الله، ونمشي في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى خطوة إلى الأمام.