يقول الإمام أحمد بن عطاء الله السكندري – رحمه الله ورضى عنه:
“تَشَوُّفُكَ إلى ما بَطَنَ فيكَ مِنَ العُيوبِ خَيْرٌ مِنْ تَشَوُّفِكَ إلى ما حُجِبَ عَنْكَ مِنَ الغُيوبِ.”
قد تبدأ البداية المشرقة فينتاب الإنسان نوع من الغرور، أو إحساس بأنه متفضل بما يفعل، ويغفل عن أن فيه من العيوب الكثير والكثير. فالشيخ بعد أن يتحدث عن البدايات يقول: (تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب).
فقد يتصور العبد أنه ببعض العبادات، أو ببعض الراحة في الصلاة، أو مثل ذلك، يتصور أنه أصبح قادراً على أن يتشوف الغيب، وأنه أصبح يمتلك ما عند العارفين بالله سبحانه وتعالى من الفراسة، أي فراسة المؤمن التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله). فالشيخ هنا يوجهنا قائلاً: (تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب).
وإذا ظن العبد أنه ليس في نفسه عيوب، فهو على شفا حفرة من الهلاك، لأن البشر كلهم عيوب، وعلى قدر ما لله تعالى من كمالات على قدر ما للناس من عيوب.
فالله عز وجل هو الكريم والإنسان بخيل: { قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا}، والله عز وجل هو القوى والإنسان ضعيف: {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}، والله عز وجل هو الرحيم والإنسان يقسو، والله عز وجل هو الحليم والإنسان غضوب، والله عز وجل هو الغفار والإنسان لا يغفر بسهولة، والله عز وجل هو الصبور والإنسان عجول، والله عز وجل هو العليم والإنسان جهول، والله عز وجل هو العدل والإنسان يظلم، وهكذا. فعلى قدر كمالات الله عز وجل على قدر نقصنا وعيوبنا.
فإذا ظن العبد أن ليس في نفسه شيء من العيوب فهو على خطر، بل ينبغي أن يفتش الإنسان عن عيوب نفسه، وهذا فن ينبغي أن يركز فيه المسلم جهده خير من أن يضيع جهده في استشراف الغيوب والمسائل لا ينبغي أن يصل إليها الإنسان قبل أن ينقى نفسه من العيوب أصلاً. ولن ينقى العبد نفسه من كل العيوب، ولكن ينبغي أن يعمل على تقليلها قدر الطاقة، وهذا العمل وما يجلبه من تواضع هو الذي يرفع العبد ويجلب له المنح الربانية والعلوم اللدنية والمواهب الروحية.
وهناك طرق عرفها العلماء في استشراف العيوب، منها ما يلي:
أولاً: نقد الناس: إذا انتقدك إنسان، فإنه من الصلاح ومن التقوى أن تنظر في هذا النقد، هل في هذا النقد بعض الصدق حتى استشرف وأعرف عن نفسي عيباً من العيوب؟ ينبغي أن تنظر في نقد الناس لك، حتى من يكرهك ويعاديك، وتسأل: هل يدلني هذا النقد على عيب في نفسي؟
ثانياً: الصديق النصوح: ومن طرق التعرف على العيوب الصديق النصوح، ورحم الله عمر –رضي الله عنه- حين قال: (رحم الله امرء أهدى إلينا عيوبنا)، فجعل العيب هدية، بل هو أفضل من الهدية، لأنه من الصعب أن يعرف الإنسان عيب نفسه، فتحتاج المسألة إلى حرارة شديدة وإلى ابتلاء شديد حتى يعترف الإنسان بعيوب نفسه، وينظر في أعماقه بصدق لكي يستشرف عيوب النفس. هذه مهمة صعبة. فإذا أهداك إنسان هذه الهدية، من صديق ناصح، يقول لك: يا أخي أنت فيك عيب كذا وكذا، فينبغي للعبد أن ينظر في نصائح الآخرين ويحاول أن يتعلم عن عيوب نفسه.
ثالثاً: البلاء: وأحيانًا يأتي البلاء فيكشفك، ويفضح بعض عيوبك. قال تعالى: {أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون}. والحديث هنا عن المنافقين، والعياذ بالله، إذ يفتنهم ويمتحنهم الله سبحانه وتعالى، ولكنهم لا يتوبون ولا هم يذّكرون، ولا ينظرون إلى العيوب فيذكروها، ولا إلى الذنوب فيتوبوا منها. إذن، حين تبتلى لابد أن تنظر إلى العيوب في نفسك، لأن البلاء والضغط يكشف العيوب.
نسأل الله عز وجل أن يصلح عيوبنا وأن يسترها ويصلحها، ونسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة.